في إحدى الحارات، كان هناك رجلٌ ضخم الجثة، غليظ القلب، اعتاد أن يفرض سطوته على الجميع. كان أشبه بظلٍ ثقيل يخيم على المكان، ينهب هذا، ويهين ذاك، ويأمر فيُطاع، لا لشيء إلا لأن أبناء الحارة ألفوا الخوف، وأدمنوا الصمت.
سنوات مضت والبلطجي يصول ويجول، لا يجد من يردعه أو يردّ كيده، حتى ظن أنه الإله الذي لا يُعصى له أمر. لكن ما لم يكن في حسبانه، أن يظهر ذات يوم شابٌ حر، لا يقيم للخوف وزناً، ولا يعرف للذل معنى. وقف ذلك الشاب في وجهه، رافعًا رأسه كأنما يعانق بها السماء، وقال له: "لن تملي عليّ ما أفعل، ولن تركعني كما فعلت بسواي."
ضحك البلطجي في بادئ الأمر، وسخر من جرأة ذلك الحر، ظنّها مجرد نزوة، سرعان ما تنكسر أمام قبضته. لكن ما إن اشتدت المواجهة، حتى انكشفت مفاجأة كبرى: هذا الشاب لم يكن كسائر من عرفهم، بل كان صلبًا كالصخر، ناريًا كاللهب. وكلما حاول البلطجي أن يسحقه، عاد يجر أذيال الخيبة، تلاحقه نظرات أبناء الحارة الذين لم يعتادوا رؤيته مهزوماً.
كرّر البلطجي محاولاته، غادر ثم عاد، حشد أسلحته، جمع أعوانه، لكن في كل مرة كان الحر يخرج له أصلب عودًا، وأشد بأسًا. حتى أصبحت كل معركة يخوضها البلطجي معه، إعلانًا جديدًا لفشله، وانكشافًا لهشاشته أمام من كان يتوهم أنهم عبيده.
المفارقة المؤلمة، أن أبناء الحارة، رغم كل تلك المشاهد البطولية، ما زالوا يتعاملون مع البلطجي بذات الخنوع، وكأنهم لم يدركوا بعد أن من ظلوا يهابونه، ليس إلا قشة في مهب أول نسمة من كرامة.
ورغم تكرار الهزائم، لا يملّ البلطجي من العودة، يحاول أن يُخضع الحر من جديد، وفي كل مرة يُصفع على وجهه بكرامة ذاك الذي رفض أن يكون مجرد رقم في قائمة المقهورين..
ومع كل صفعة، تُكتب حكاية جديدة عن البطولة، ويبزغ ضوء في عتمة الخوف، في انتظار أن ينهض بقية أبناء الحارة ويكسروا قيدهم بأنفسهم.