* ليست القضية الفلسطينية مجرد ملف سياسي يتداول في أروقة المؤتمرات والبيانات الختامية، بل هي الندبة التي لا تلتئم في قلب كل عربيٍ ومسلم، والجمر المستعر تحت رماد الأنظمة التي لم تتقن شيئًا كما أتقنت التشدق بالشعارات.
* منذ عقود، كانت فلسطين وتظل اختبارًا أخلاقيًا عميقًا لا يُجتاز بالكلمات الرنانة ولا بالمواقف الرمادية. واليوم، إذ تُقصف وتدمر غزة دون رحمة، ويُجوّع أطفالها، ويُحاصر أهلها حتى في أنفاسهم، تتعرّى الحقيقة أكثر من أي وقت مضى. فكم من زعيمٍ رفع راية القدس في خطاباته ثم أدار لها ظهره في لحظات الحقيقة؟ كم من نظامٍ ادّعى نصرة القضية، فإذا به يعقد الصفقات خلف الستار، وينكص عند أول امتحان؟
* غزة، هذه المدينة الصغيرة، الضعيفة في جغرافيتها، الجبارة في إرادتها، لم تعد مجرد عنوان في نشرة الأخبار. إنها باتت مرآةً تعكس انكسار الإنسان وغياب الضمير العالمي. لقد أسقطت ورقة التوت عن كثير من الأنظمة، وعن شعوبٍ أُنهكت بالصراعات حتى انكمشت إنسانيتها، وعن منظماتٍ دولية تتفاخر بحقوق الإنسان لكنها تعجز عن حماية طفلٍ من شظايا القذائف أو انتزاع رغيفٍ من براثن الحصار.
* كم هو مؤلم أن تتحول غزة إلى "فضيحة مكشوفة" للمنظمات التي تدّعي الإنسانية، وللقوى التي تزعم الدفاع عن المظلومين. فقد أثبتت التجربة أن الصمت أقوى من البيانات، وأن التقاعس أشد من القنابل.
لكن وسط هذا السواد، تبقى غزة شاهدةً لا تموت. ليس لأنها لم تُهزم رغم الحصار، بل لأنها تملك القدرة على إحياء الضمير من جديد. غزة لا تطلب الشفقة، بل العدالة. لا تنتظر الدموع، بل الفعل.
* ولعل أقسى ما في هذا المشهد، أن نكتشف أن العدو لا يقف عند حدود الاحتلال، بل يمتد إلى أولئك الذين غاب صوتهم حين وجب أن يعلو، وإلى من استبدلوا الحق بالصمت، والنصرة بالتواطؤ.
في زمنٍ باتت فيه الكلمات تُباع وتشترى، تبقى غزة نزيهةً لا تعرف المساومات. إنها تفضحنا جميعًا، بلا استثناء.