في سنن الله التي لا تتبدل، حين يتخلى قوم عن دورهم، ويخونون رسالتهم، ويصمّون آذانهم عن نداء الحق، لا يترك الله فراغاً، بل يأتي بالبديل. ولكن ليس أي بديل.. بل ذاك الذي يُدهش الأرض ومن عليها، ويُسقط كل حسابات القوة والمنطق والمال.
ستة عقود مرت، وقافلة الظلم والطغيان تزداد توغلاً، واحتلال الصهاينة يتمدد جُرحاً مفتوحاً في جسد الأمة.
ستون عاماً من صمت الدول، وغفلة الجيوش، وخذلان الشعوب.
دولٌ عربية وإسلامية تفيض بالخيرات، شعوبها تعدت المليار، وجيوشها بالملايين، وتحجز لنفسها مواقع متقدمة في قوائم التصنيفات العالمية للتسلح.
لكنها وقفت وكأنها -قوم شعيب- حين أخذتهم الرجفة، فجثوا صرعى في ديارهم، بلا حراك كأنهم تماثيل من صخر، وقد صُب العذاب من حولهم فما اهتزوا، ولا انتبهوا، يشاهدون المأساة المستمرة وكأن على أبصارهم غشاوة، وعلى قلوبهم أكنّة، لا توقظهم الدماء ولا الدموع، ولا صرخة أم تبحث عن أطراف وليدها تحت الأنقاض.
ثم جاء البديل ..
لا من عواصم القرار، ولا من أبراج النفط، بل من جبال ووديان اليمن الفقير، من شعب قيل أنه الأضعف، وهو المثقل بالجوع والحصار والانهيار،
جاء البديل من أفقر دولة عربية تحتل المراكز الأولى في قوائم الفقر،
ولكنها، وبفضل من الله، كانت الأغنى بالإيمان، والأقوى بالله، والأكثر تأثيراً وإيلاماً على عدوها وعدو هذه الأمة.
اليوم، يواجه هذا الشعب المُستبدل بالأغنياء، أعظم إمبراطوريات العالم وأعتى حلف عسكري تشهده القرون، لا بعددٍ يفاخر به، ولا بترسانة تملأ المعسكرات وتتفاخر به الشاشات، بل بروحٍ تقاتل وكأنها تعيش في زمن الأنبياء، وبثبات يسجد له التاريخ، وعزيمة لا تهتز أمام الأساطيل.
هذه هي سنة الله.. أن يُبدل القاعدين بالمجاهدين، والمترفين بالمرابطين، والخانعين بأهل البأس الذين إذا استُنفروا لبّوا، وإذا نودوا للجهاد ما توانوا، وإذا انتُهكت أرضٌ من بلاد المسلمين، هبّوا وكأنها أرضهم.
يا من خذلتم فلسطين دهراً، انظروا إلى اليمن.. درساً يتلوه التاريخ عليكم ليلاً ونهارا،
هذا هو البديل.. لا يملك إلا القليل،
لكنه يملك ما لا تملكون: إرادة لا تلين، وقلوباً لا تعرف الخوف، وإيماناً بربٍ نصروه فنصرهم وثبت أقدامهم.
محمد الكبسي