تملك إيران مصادر قوة عديدة للرد على العدوان الأميركي الذي استهدفها، بمعزل عن مدى صدقية الحديث عن حجم الضرر الذي لحق ببرنامجها النووي، والتطمينات المقابلة عن سلامة مخزونها من اليورانيوم المخصب، وطالما كان الحديث في إيران وبين حلفائها وأصدقائها واعدائها يدور حول ثلاثة عناصر قوة بيدها، الأول استهداف القواعد الأميركية الواقعة في مرمى نيرانها والتي تضم 40 الف جندي أميركي، تملك إيران صواريخ دقيقة متوسطة وقصيرة المدى لا تفيدها في الحرب مع إسرائيل وتستطيع الوصول إليهم وضمان تحقيق أهدافها، ومن حولهم في البحار أساطيل وسفن حربية تستطيع البحرية الإيرانية التي يشهد لها الجميع بالكفاءة والاقتدار وامتلاكها اسطولا من الزوارق السريعة والطوربيدات والمنظومات الصاروخية القادرة على الوصول الى الأهداف الأميركية البحرية، وهذا النوع من الاستهداف يقوم على افتراض ان الشعب الأميركي قد يتساهل مع قيام إدارته بضربات عسكرية مجنونة، لكنه لن يتسامح معها عندما تبدأ تبعاتها تظهر بصيغة توابيت عائدة إلى الأرض الأمريكية.
العنصر الثاني الذي تملكه إيران ويثير القلق في الغرب كله، هو قدرة إيران على إغلاق مضيق هرمز ومضيق باب المندب، وتعطيل تجارة الطاقة في العالم، حيث يخرج من هذا المضيق ما يعادل نصف تجارة العالم من النفط والغاز وربع استهلاك العالم من موارد الطاقة، وإغلاقه سوف يتسبب بانهيارات اقتصادية ومالية كبرى، يكون مفتاحها جنون أسعار النفط، هذا إضافة للضغط الذي يسببه للمنتجين والمستهلكين الكبار، المنتجون في دول الخليج والمستهلكون في أوروبا، الذين سوف يضغط عليهم ذلك للتحرك السريع طلبا لحل سياسي يعبر عن موازين القوى، وهي هنا ليست فقط بالقدرة على إلحاق الأذى العسكري عبر قدرة التدمير والقتل، بل الأذى الاقتصادي أيضا، وخلق معادلة توازن بين اغلاق التجارة العالمية والعقوبات الأميركية.
العنصر الثالث الذي تملكه إيران، هو الخروج من اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وتغيير العقيدة النووية نحو امتلاك سلاح نووي، ولدى إيران مخزون من التخصيب على درجة مرتفعة تستطيع استخدامه وقد قامت بحفظه في مناطق آمنة، ولديها علماء مقتدرون، وكميات هائلة من أجهزة التخصيب تستطيع تشغيلها في منشآت صغيرة متفرقة موزعة في مئات النقاط من انحاء ايران، وصولا لبلوغ مرتبة إنتاج السلاح النووي، وإجراء تجارب على أول صاروخ يحمل رأسا نوويا، والقول، ان ايران التي كانت تملك برنامجا سلميا وكانت صادقة بنية عدم امتلاك برنامج عسكري، وجدت أن عالم الوحوش لا يفهم إلا لغة القوة واضطرت للذهاب إلى امتلاك سلاح نووي لردع نوايا العدوان.
مقاربة هذه الأوراق واقعيا تقابلها مجموعة من عناصر عدم الملائمة على الصعيد السياسي تدعو لعدم التسرع في استخدامها، وابقائها أوراق ردع لاحقة قد لا يأتي وقت استخدامها، فهناك من يعتقد أن استخدام ورقة استهداف القواعد و الأساطيل الأميركية، ذات مفعول عكسي في أميركا، لأن قرار الضربة مرتبط بالبرنامج النووي وأصحاب الضربة يقولون انها حققت نجاحا كاملا، ما يعني نهاية العمليات، لكن استهداف القواعد والقطع البحرية الأميركية سوف يمنح الحرب مع اميركا بعدا إضافيا يجد مبرره في هذا الاستهداف، ويتيح لدعاة الحرب أن يجدوا ضالتهم في ذلك للتعبئة لصالح الحرب، بينما تعطيل تجارة الطاقة سوف يضعف موقف ايران مع دول الخليج المتضررة من الإغلاق، ومع الصين وربما مع بعض الدول الأوروبية المساندة لموقف إيران، أما امتلاك سلاح نووي فيعطي مصداقية لكلام دعاة الحرب على ايران في الجانبين الأميركي الإسرائيلي عن تبرير الحرب بوجود نية إيرانية لامتلاك سلاح نووي وقرب امتلاكها لهذا السلاح، هذا إضافة لإحراج دول كثيرة في العالم تبني خطابها الداعم لإيران على سلمية برنامجها النووي مثل روسيا والصين.
النقاش الدائر في طهران يقترب من صياغة معادلة تجعل قرار الرد الأقوى مرتبطا باختيار الحلقة الهم في المصالح الغربية وهي كيان الاحتلال، وقد باتت معادلة القوة معه واضحة بالنسبة لإيران، والضرر اللاحق بالكيان بفعل الحرب بنيوي ووجودي بينما في أي شأن آخر فهو ضرر ظرفي قابل للترميم، وهناك فرصة لربط وقف الحرب وإعادة التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإخضاع البرامج النووية في كيان الاحتلال لمفتشي الوكالة وميثاقها، وتفكيك السلاح النووي الإسرائيلي بالتالي، وهو مطلب لا تستطيع دول المنطقة عدم الاصطفاف وراءه إذا وضع كبديل لأغلاق مضيق هرمز خصوصا، ويمكن لإيران توظيف استهداف الكيان لبلوغ مرحلة تتيح المطالبة بوقف الحرب على غزة من جهة، وتفكيك السلاح النووي الإسرائيلي من جهة موازية وهذه مطالب لا يستطيع أحد في أوروبا وروسيا والصين وسواهما القول بأنها غير قانونية أو غير منطقية، بينما تستعجل إسرائيل لإعلان استعدادها لوقف الحرب وتحويل الضغط على إيران لمطالبتها بالقبول عند هذه النقطة التي ترجح فيها الكفة الأميركية الإسرائيلية.